من وصايا القرآن الحمد لله الذي أدبنا بالقران الكريم , وهذب أخلاقنا بسنة صاحب الخلق العظيم ودعانا إلي مكارم الأخلاق بالموعظة الحسنة ولأسلوب الحكيم فقال تعالي (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ) (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) .
نحمدك اللهم فضلتنا علي سائر الأمم وجعلتنا عليهم شهودا ونسال العفو والعافية وان تلهمنا وشدنا والدا ومولودا . ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له افترض أشياء وحرم أشياء وحد لنا حدودا ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله المخاطب بقوله تعالي (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) .
اللهم فصل وسلم علي سيدنا محمد الذي تممت خلقه وخلفه , وقويت إلي الخير طرقه , وفتحت به أذان صماء واعين عمياء وقلوبا مغلقه { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } .
أيها المسلمون , ما فضلتم علي سائر الأمم ولا فضل دينكم علي سائر الأديان , إلا بمعجزة الدهور وآية العصور كتاب الله القران , فأن جعلتموه بين أيديكم كان لكم قائدا في الدنيا إلي السعادة والحرية , وفي الآخرة إلي مغفرة من الله ورضوان , وأن جعلتموه وراء ظهوركم كان لكم سائقا في الدنيا إلي الذل والشقاء , وفي الآخرة إلي مهاوي الردي والنيران , كيف لا وأنه لكتاب هدي وسفر السعادة وقانون الفضيلة ودستور العدالة في كل زمان ومكان , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد منان (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) .
يا مسلماً لو تدبرت سورة من كتاب الله وعملت بما فيها لسيرتك سعيداً في نفسك واهلك ومالك ولو وقفت تحت راية القرآن لسموت سماء المجد تبوأت مكانه الشرف بذلك , ولو أنكم يا أمة محمد صلي الله عليه وسلم حافظتم علي تراثكم الغالي وعملتم بقانونكم السماوي لإضاءة لكم المسالك , ولما رأتكم الأيام قد اختلفتم علي أنفسكم فأنتم هالك إثر , يستعبدكم مالك بعد مالك , ويذيقكم العذاب فاتك بعد فاتك ولكنكم نسيتم كتاب الله وشغلكم الترف عن والواجبات وزين لكم الشهوات , ولا نكير علي فاعل ولا تارك (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
هذه الشعوب المتمدنة والأمم المتحضرة كما يزعمون قد فسقوا عن أمر ربهم فألبسوا شيعاً وأذيق بعضهم بأس بعض وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " ( حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ ) ( أَتَاهَا أمر ربها بياتاً وهم نائمون , أو ضحى وهم يلعبون ,) ( أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .) ( , وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ , ) (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا )
فيا معجبات بالعادات والتقاليد البشرية , ويا متبعا للأوضاع والقوانين البشرية , تفكر قليلا في الحوادث والخطوب التي أدهشت العقول واستهلكت الأموال وزعزعت العروش الاستعمارية , فتنافس وتشاحن وتطاحن وحروب جوية وبرية وبحرية , ودم مسكوب , وقلوب تذوب , وأشلاء تمزق , ومدن تهدم وتحرق , فلعنة الله علي هذه المدينة وهذه الحرية . لأي شي كان هذا سوي الإعراض عن الأديان والرحمة الإنسانية والتعاليم القرآنية و ولزعمهم أنهم يقدرون علي سعادة البشر بادلتهم وعلومهم العصرية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) .
القرآن ينهي عن الزنا واللواط والفواحش ما ظهر منها وما بطن وكشف العورات , وينهي كذلك عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور وتتبع العثرات و ويحذر من تطفيف الكيل والميزان والغضب والسرقة واكل أموال اليتم بغير حق وتعاطي المسكرات , ويتوعد بالعقاب الشديد علي نقض العهود , وفك العقود , وخلف الوعود , وعقوق الوالد وإساءته إلي المولود , فطوبي لمن أدرك ما فيه من لطائف الإشارات (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا ) .
والقران يأمر بالبر والصلة وإيتاء ذي ألقربي حقه والمسكين وأبن السبيل , وينهي عن السؤال و إضاعة المال , وكثرة القيل والقال , ويدعو إلي الصدق والصواب والحلم والأناة والصبر الجميل ويمدح الجود والجواد ويذم البخل والبخيل , وينهي عن الاسراف والتقتير في المأكل والمشرب والملبس واليكم والدليل ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) .
كتاب يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وحسن الجوار , وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ومصاحبة الأشرار , يرغب في الفضيلة , وينهى عن الرزيلة , ويأمر ببر والوالدين ولو كأنا من الكفار , ويجمع عباده الله وحده وبر الوالدين وفي آية واحدة فاعتبروا يا أولي الأبصار , ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا , وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) .
خبروني بربكم في أي كتاب من كتب فلاسفة اليونان والرومان والفرس والهنود وغيرهم من المسلمين والكفار , تجدون أمثال هذه الوصايا العظيمة التي تقع بها سعادة الشعوب والأقطار (وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) لا والله لا تكون هذه التعاليم إلا من الله العالم بمصالح عباده العزيز الغفار (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )
الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إن أهْلِينَ من الناس , قالوا من يا رسول الله ؟ قال : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما .
جعلني الله وإياكم من أهل القرآن , ووفقنا جميعاً لمتابعة الحق حيث كان , وأجارنا بفضله وكرمه من متابعة الهوى والشيطان قال تعالي ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
الجنـــــــــــــــــــــــــــــــــــرال
حسام المصري