{{{ (( فِي الْمَوْلِدِ النبوي الشَّرِيفِ )) }}}
الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ناصر ولا معين فتعال الله الملك الحق المبين , وأشهد أن سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين , صلي الله وبارك على سيدنا محمد الصادق الأمين وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
أيها الناس : لقد فضلكم الله على سائر الأمم كما فضل نبيكم علي سائر النبيين واشتق لكم من اسمين من أسمائه الحسنى , فهو السلام المؤمن , وسماكم المسلمين المؤمنين , وستدعون يوم القيامة بالعز المحجلين وأئمة المتقين , وإذا تمسكتم بالكتاب المبين وسنة سيد المرسلين , وتخلقتم بأخلاق من يمدحه ربه بقوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
كنتم أذلاء قبل الاسلام فعزكم الله بمتابعته , وكنتم علي شقا حفرة من النار فأنقذكم منها بحكمة دعوته وحسن ساسته , وكنتم تهيمون في الظلمات فأخرجكم إلي النور بآيات ربه وجميل هدايته , وأنكم لتذنبون وتطمعون يوم القيامة في شفاعته (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) .
كان الناس في الجاهلية يتنازعون ويتخاصمون فيتلاعنون ويتشاتمون , والأقل شيء يقعدون ويقومون , فينهبون , ويقتلون , وبالفساد في الأرض يعيثون ويئدون البنات ويعقون الأمهات وهم لا يستحيون وعن المعرفون يعرضون وعلي المنكر يعكفون (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).
فطائفة منهم كانت تعبد النار والمياه والأشجار وأخرى عاكفة علي التماثيل والأحجار وأخرى تتقرب إلي الله بتعظيم الكواكب والأنوار , والأخيار يخافون من الأشرار , وغالب من في الأرض فجار كفار , قد أضلهم الشيطان بمتابعة المضلين من الرهبان والأحبار , والكذابين من نقلة الاخبار ورواة الآثار (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).
{{{ (( جــــــــــــــــاء الهــــــــــــــــــــــادي )) }}} في الثاني عشر من ربيع الأول هذا الشهر المبارك انبثق من مكة المكرمة نور ساطع يبدد الظلمات , ويضيء السبيل للسالك المتابع , وانسل غمد الزمان علي رقاب أولي الطغيان سيف صارم قاطع .... { محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الجامع } .... فشرفت به البلاد واستبشرت به العباد , وتنافست فيه المراضع فيالك من مولود عظيم , بوركت من رضيع وفطيم (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ... الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ... وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ... إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ...) .
فنشأ صلي الله عليه وسلم متحليا بمكارم الأخلاق , بعيداُ عن الرزيلة ميالاً بفطرته إلي الفضيلة غير متأثر بيتم ولا إملاق , مبارك الطلعة في المجامع ميمون الصفقة في الأسواق , فخطبته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد لنفسها , وقد ساد قومه علي الإطلاق , إنه ليصل الرحم ولا مبذر في الإنفاق , وحكمته قريش في وضع الحجر الأسود وقد احتدم بينهم النزاع والشقاق ,فلِلَّهِ درك ن يتيم وحاكم وحكيم , (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ... وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ... إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ... ) .
وعلى رأس أربعين سنة من عمره الشريف , بعثه الله للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بغنه وسرجاً منيراً , فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله جهاداً كبيراً , فأوذي وعودي , وضرب وشتم , وقال الظالمون إن تتبعوا إلا رجلاً مسحوراً (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) .
ولقد وضعوا السلاء على ظهره في السجود , وسفكوا دمه الذكي الشريف الطاهر وأخرجوه من البلد الأمين , فهاجر إلي المدينة المنورة بمن معه من المؤمنين لنشر دعوة الدين , وتنفيذ أمر رب العالمين , فنصره الله علي المشركين وسائر المخالفين بعزة الجانب وكثرة الإتباع وحجج الذكرِ المبين (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) .
وما زال يتنزل عليه القرآن آية بعد آية , ويرشد الناس إلي أشرف مقصد وأسمى غاية , حتى ظهر الحق وزهق الباطل , وانتصر أهل الهداية على أهل الغواية , وثلت عروش الجبابرة , وأصبح الناس سواسية , في البداية والنهاية , لا فضل لأحد علي أحد إلا بتقوى الله , وما منح من علم رواية أو دراية (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) .
فو الله ما ترك الدنيا إلا وترك الناس على الشريعة البيضاء النقية , والطريقة المثلي المستقيمة المستوية , فجزاك الله عنا وعن سائر أتباعك خير الجزاء , يا صاحب النفس الذكية والصفات العلية فلأنت أكرم البرية ، وخير الورى سجية , وأمثلهم رجولة وعبقرية وعليك منا ومنهم أفضل صلاة وأزكى تحية وتسليم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة , وأول من ينشق عنه القبر , وأول شافع وأول مشفع ) " ورآه مسلم وأبو داود "
جعلني الله وإياكم من المتمسكين بسنته السالكين علي طريقه الداخلين في شفاعته آمين
قال تعالي ... (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا .. لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا .. إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .. )) . إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .. )) .