الجنرال والحب مـشرف*
عدد الرسائل : 1447 العمر : 42 السٌّمعَة : 0 نقاط : 46 تاريخ التسجيل : 28/04/2008
| موضوع: الفصل الاول من كتاب // مقامـات القرني ( المقـامَــة الأدبـيّــة ,جزء اول ) الأحد يوليو 27, 2008 8:02 pm | |
| المقـامَــة الأدبـيّــة أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
أنظم الشعر ولازم مذهبي فهو عنوان على الفضل وما في اطراح الرفد فالدنيا أقل أحسن الشعر إذا لم يبتذل
قال الراوي : سمرنا ليلة مع جماعة أبية ، لهم شوق إلى المقامات الأدبية ، والأشعار العربيّة ، فقالوا حدثنا عن الأدب ، فإنه ديوان العرب ، ومنتهى الأرب ، ونهاية الطلب . قلنا : حباً وكرامة ، وتحية وسلامة ، فقد رضعت الآداب ، وجالست الأعراب ، وحفظت الشعر من عصر الشباب ، فالشعر عندي سمير ، وهو لنفسي روضة وغدير . وحديثه السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحـرّزِ
إن طال لم يملّ وإن أوجزته ودّ المحـدث أنه لـم يوجـزِ
فقال أحد السُّمار ، من محبي الأشعار ، أفض علينا من القصائد الغراء ، التي قالها على البديهة الشعراء ، قلت : هذا فن طويل الذيل ، يأخذ في كل سبيل ، ولكن سوف أورد بعض الشواهد ، والشوارد ، والأوابد . فهذا أبو جعفر المنصور تحدى الشعراء بقافية ، قال : من أجازها فله الجائزة وافية ، إذ يقول ، وفكره يجول : وهاجرة وقفت بها قلوصي يقطع حرها ظهر الغطايَه
فقام الشعراء على ركبهم جاثين ، كلهم يريد الجائزة من أمير المؤمنين ، فقال بشار بن برد ، وكان سريع الردّ : وقفت بها القلوص فسال دمعي على خدي واقصر واعظايَه
فأخذ بردة أبي جعفر ، وكانت من خز أصفر . وهذا أبو تمام ، وهو شاعر مقدام ، مدح المعتصم ، فما تعثر وما وهم ، يقول : إقدام عمرو في سماحة حاتمٍ في حلم أحنف في ذكاء إيـاسِ
فقال الحارث الكندي ، ما لك قدر عندي ، أما تخاف ، تصف أمير المؤمنين بالأجلاف ، فانهد أبو تمام كالسيل معتذراً عما قيل : لا تنكروا ضربي له من دونه مثلاً شروداً في الندى والباسِ
فالله قد ضرب الأقل لنـوره مثلاً من المشكـاة والنبراسِ
حكم النعمان ، على نابغة ذبيان ، بالإعدام ، بعد ما اتهمه ببعض الاتهام ، فأنشده البائيَّة الرائعة الذائعة : فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعتْ لم يبْدُ منهن كوكبُ
فعفا عنه وحباه ، وقربه واجتباه . وأهدر البشير النذير ،دم كعب بن زهير، فعاد إليه ، ووضع يده بين يديه ،وأنشده : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يُفد مقبولُ
فحلم عليه وصفح ، وعفا عنه وسمح ، واستقام حاله وصلح . وأصدر حاكم اليمن ، قراراً بإعدام سبعين من أهل العلم والسنن ، والفقه والفطن ، فأنشده البيحاني ، قصيدة بديعة المعاني ، هزّ بها أعطافه ، واستدر بها ألطافه ، أولها : يا أبا المجد يا ابن ماء السماء يا سليل النجوم في الظلماء
فأكرم مثواه ، وعفا عن السبعين من العلماء والقضاة . وكاد معاوية أن يفر من صفين ، يوم وقف بين الصفين ، فذكر قول ابن الأطنابة، فأوقف ركابَه :
أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
وأوشك المتنبي الشاعر الهدّار ، أن يولي الأدبار ، ويجد في الفرار ، فكرر عليه غلامه ، أبياتاً ثبتت أقدامه ، حيث يقول : الخيل والليل والبيداء تعرفنـي والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
فرجع مقبلا ، فقتل مجندلا . وقتل عضد الدولة الوزير ابن بقية ، ولم تردعه تقيّة ، فأنشد ابن الأنباري قصيدة كأنها برقية ، أو رواية شرقية ، اسمع مطلعها ، وما أبدعها : علو في الحياة وفي الممات بحق أنت إحدى المعجزات
فسمعها عضد الدولة فتأسف ، وقال حبذا ذاك الموقف . ولما قتل محمّد بن حميد ، بكاه أبو تمام بذاك القصيد ، ورثاه بذاك النشيد : كذا فليجل الخطب وليفـدح الأمرُ فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ
وسب أحد الأمراء ، المعري أبا العلاء ، وهجاه أشد هجاء ، وسب أستاذه سيد الشعراء ، فقال أبو العلاء : لا تسبه أيها الأمير ، فإنه شاعر قدير ، ولم يكن له إلا قصيدة، لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت و هن منك أواهل
ففهم الأمير ماذا يريد ، لأنه قصد آخر القصيد ، وهي قوله : وإذا أتتـك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهـادة لي بأني كامـلُ
ولما زار أبو جعفر المنصور المدينة طلب شيخاً كبيرا ، وجعله عنده أجيرا ، يخبره ببيوت المهاجرين والأنصار ، فدار به إلى آخر النهار ، ولم يعطه مالا ، ونسيه إهمالا ، فقال الشيخ يا أمير المؤمنين : هذا بيت الأحوص الشاعر المبين القائل : يا بيت عاتكة الذي اتعزل
حذر العدا وبك الفؤاد موكّل
فتذكر أبو جعفر القصيدة ، وهي فريدة مجيدة ، يقول في آخرها : وأراك تفعل ما تقول وبعضهم مذق الكلام يقول ما لا يفعلُ
ففهم المراد ، وأعطى الشيخ الزاد . أقبل عالم كبير القدر ، ظاهر الأمر ، على شاعر قاعد ، فقام لهذا العالِم الوافد ، وكان العالم يرى أن القيام للقادم باطل ، ولو أن القادم رجل كامل ، فقال للشاعر دع القيام ، فأنت لا تلام ، فقال الشاعر : قيامي والإله إليـك حق وهل رجل له لب وعقل وترك الحق ما لا يستقيمُ يراك تسير إليه ولا يقومُ
وفد شاعر على وزير خطير ، بالمكرمات شهير ، فلما أبصر جلبابه ، وشاهد حُجّابه ورأى أصحابه هابه ، فأراد أن يقول مساك الله بالخير ، قال من شدة الخجل ، ومن دهشة الوجل : صبحك الله بالخير ، فقال الأمير : أصباح هذا أم مساء ، أم تريد الاستهزاء ، فقال الشاعر بلا إبطاء : صبحته عند المساء فقال لي ماذا الصباح وظنَّ ذاك مزاحا
فأجبتُه إشراق وجهك غرني حتى تبينت المسـاء صبـاحا
وأنا مُحدّث لا حداثي ، من مكة مركبي وأثاثي ، ومن المدينة ميراثي ، أصل الحداثيين من البلاشفة الحمر الكفرة ، كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة . لا تتبلد ، أرسلناك إلى المربد ، بالحق تنشد ، وبالإسلام تغرد ، فذهبت تعربد . اسمك محمد فلا تزد في الحروف ، لتصبح محمدوف ، لأن محمد شرعي ، ومحمدوف شيوعي ، ديوان المتنبي مجلد لطيف خفيف ، فيه لفظ منيف ، ومعنى شريف ، أنصت لشعره الدهر ، وعبر البر والبحر ، وسار غدوه شهر ورواحه شهر . وبعض الشعراء المولّدين ، لكل منهم عشرة دواوين ، كل ديوان ككيس الأسمنت ، إذا قرأت منها قصيدة سكتّ وصمتّ ، وبُهتّ وخُفتَ ثم مُتّ ، تعبنا من ركاكة الكلام ، ومن هذا الركام ، إذا سألناهم عن المعنى أكثروا من الهمز والغمز ، وقال هذا شعر الرمز ، فيه إيجاز ، وألغاز وإعجاز ، والصحيح أنه هراء وطلسمة ، وشعاب مظلمة ، وتمتمة ، وهمهمة ، وغمغمة . وقد حكم رسولنا في الشعر وقد رضينا حكمه فقال : (إن من الشعر لحكمة) وهو الشعر المحمود ، الذي يوافق المقصود ، وليس فيه بذاء ، ولا هجاء ، ولا ازدراء ، وكان فيه لطف بلا سخف ، مع صدق في الوصف ، وليس فيه تبذل ولا إغراب ، ولا كذب ولا إعجاب ، مع إشراق في العبارة ، ولطف في الإشارة ومتانة في السبك ، وجمال في الحبك ، فإذا كان كما وصفنا ، وصار كما عرّفنا ، فهو السحر الحلال ، وهو فيض من الجمال ، وهالة من الجلال ، يبهج العاقل ، وينبّه الغافل واعلم أن في الشعر مختارات ، وفي القصائد أمهات ، مثل المعلقات ، وما اختاره أصحاب الحماسات ، ولا تنس الفريدة الحسناء ، هذا الذي تعرف البطحاء وإن تعجب فيحق لك العجب ، من قصيدة : السيف أصدق إنباء من الكتب وأجمل المراثي الرائعات : علو في الحياة وفي المماتْ أو ابن زيدون وهو يشجينا : أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا
أو الشريف الرضي في روعة البيان ، يوم أنشد : يا ظبية البان وواعجباه ، من واحر قلباه وما أبهى تاج الكلام ، تفت فؤادك الأيام وأبو البقاء الراوندي يوم اهتم ، فقال : لكل شيء إذا ما تم واعلم رحمك الله أن في الشعر تِبْر وتراب ، وذهب وأخشاب ، ولا يخدعنك قولهم فلانٌ شاعر موّار ، فقد لا يساوي شعره ربع دينار ، فإن من الشعر مسك وعنبر ، ولؤلؤ وجوهر ، يسافر إلى سويداء قلبك ويبحر ، وينادي إنما نحن فتنة فلا تكفر . وفي الشعر شعير ، وروث بعير ، فيه نذالة وجهالة ورذاله ، فويل لمن أشغل الناس، وسوّد القرطاس ، وجلب الوسواس ، وحاس وداس ، وفي ديار القلوب جاس ، يصيبك من شعره تثاؤب وعطاس ، ونوم ونعاس ، فإذا رأيته فقل له : لا مساس ، ولا باس عليك منه لا باس . وهذا الصنف لا يردّه عقل ، ولا يردعه نقل ، جائزته بصل وفجل ، لأنه أُشرب في قلبه العجل . إذا قام أحدهم في النوادي ، صاح المنادي : هذا شاعر الحواضر والبوادي ، وبلبل النادي ، فيصدق المسكين ، قطع بلعومه بالسكين ، فيتمايل طربا ، ويتيه عجبا ، ويقول للحضور : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، فإذا ألقى القصيدة ، فكأنه يأكل عصيدة ، يلوِّي راسه ، ويكظم أنفاسه ، كأنما يتخبطه الشيطان من المس ، حتى ينادي الجمهور : بس بس ، فليت قارئاً يبرك على صدره ، ويضع يده على نحره ، ويرش وجهه بماء من تبسي ، ويقرأ عليه آية الكرسي . فإذا خرج شيطان الشعر الرخيص ، وعلم أنه ليس له محيص ، قام هذا الغبي ، كأنه صبي ، ليترك الأشعار ، لأهل الاقتدار ، ويقصد البيع والإيجارة ، أو البناء والنجارة ، أو يصلح عقاره ، ويهجر القوافي ، لكل فصيح وافي . وليت الناس سلكوا مذهبَهم ، فقد علم كل أناس مشربهم ، ويا من اشتغل بالأشعار، عليك بالأذكار ، وإدمان الاستغفار ، والخوف من القهار ، فإن اللسان ثعبان ، وأمامك قبر وميزان ، ونجاة وخسران ، ولا يكن لسانك كالمقراض للأعراض ، ولا يكن كالمقباض للأغراض ، فإن الأنفاس تكتب عليك ، وعملك منك وإليك . وويل لمن أطلق لسانه ، وأرضى شيطانه ، وأجرى في اللهو حصانه ، من يوم تشيب فيه النواصي ، ويندم فيه كل عاصي ، ويهابه كل دانٍ وقاصي . ويا شعراء المجون ، مالكم في الغي تلجون ، وفي النوادي تصجّون ، ولكل رأس تشجّون . ألا عقل يردع ، ألا أذن تسمع ، ألا قلب يخشع ، ألا عين تدمع ، أشغلتم القلوب ، وأنسيتم الناس علام الغيوب ، ودللتم الأمة على المعاصي والذنوب ، أشعلتم النفوس الهائجة ، أحرقتم القلوب المائجة ، لأن بضاعتكم على الأراذل رائجة ، أتظنون أنه لا حساب ولا عقاب ، ولا عذاب ولا ثواب ، الموقف أصعب مما تظنون ، والمشهد أعظم مما تتصوّرون ، إذا بعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ، وفار التنور ، وقصمت الظهور ، وطار الكبر والغرور . إذا جـار الوزيـر وكاتبـاه وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ
فويـل ثم ويـل ثـم ويـل لقاضي الأرض من قاضي السماءِ
يا شعراء المجون ، ويا أتباع كل غاو مفتون ، وهائم مجنون ، ويل لكم مما كتبت أيديكم ، وويل لكم مما تكسبون . | |
|